لا شك أن العلوم الطبية مصدر غني بالقصص والمكائد. تشير شعبية جميع أشكال الدراما الطبية إلى أننا نحب أن نشاهد ونقرأ عن الأشخاص الذين يتعاملون مع الألم والانزعاج، ويواجهون مُعضلات نخشى أن نواجهها أيضًا في مرحلة ما من حياتنا.
— فيليبا روكسبي
إذا سئلنا يومًا عن أطول المسلسلات حضورًا في تاريخ التلفزيون الأمريكي، سيكون مسلسل السوب أوبرا الطبي «general hospital» الذي بدأ عرضه في الأول من أبريل عام 1963، وفي عام 2024 لا يزال يُقدم موسمه الحادي والستين ليتجاوز عدد حلقاته 14.000 حلقة على مدار ستة عقود.
لا يبدو «general hospital» استثناءً في عالم الدراما الطبية، إذ يستمر حتى الآن مسلسل «Grey's Anatomy» للعام العشرين، مُتجاوزًا مسلسل «ER» الشهير الذي استمر 15 عامًا.
لا تكتفي الدراما الطبية بالحضور على الساحة التلفزيونية كواحدة من أكثر الجونرات نجاحًا، إنما تؤكد قدرتها على الاستمرار والحفاظ على ولاء مشاهديها لعقود كاملة، وهو تحد عسير في عالم متجدد من القصص والحبكات، عدوه الأمثل هو الملل. مما يقودنا للتساؤل: لماذا تمتلك جونرة الدراما الطبية دون غيرها تلك القدرة الخلابة على أسر مشاهديها؟
بينما نستطيع بسهولة أن نختبر رتابة اليوم العادي في حياتنا اليومية، تقدم لنا الدراما التلفزيونية باختلاف الجونرة ذلك الوعد بتقديم اليوم الاستثنائي الذي يحطم تلك العادية.
في الجونرة الرومانسية يقابل البطل نصفه الآخر في ذلك اليوم، وفي المسلسلات البوليسية تواجه الضحية مصرعها المروع في ذلك اليوم، بينما في المسلسلات الاجتماعية تنقلب حياة الأبطال رأسًا على عقب نتيجة حدث من الماضي أو المستقبل يتربص بحياة أبطاله المحاصرة في زمنها الراهن بذلك اليوم.
مشهد من مسلسل «grey's anatomy»
تتميز الدراما الطبية بقدرتها على هضم تلك التنويعات كافة وتقديمها في عالم المشفى ذي الألوان الزرقاء والبيضاء المحايدة، وأصوات نبضات القلب وأزيز أجهزة التنفس الآلية.
الأبطال دومًا في الدراما الطبية يواجهون في يومهم أكثر حقائق الوجود هشاشة، وهي الحياة التي تنبض ببطء بين براثن الموت، تنفتح أبواب القصة بانفتاح حرفي وعاجل لأبواب المشفى لاستقبال حالة جديدة، لرجل يواجه حتفه التعيس في آخر يوم من حياته أو امرأة تعاني انقباضات الولادة والميلاد في أسعد أيام حياتها.
تمتلك الدراما الطبية جاذبية الأعمال البوليسية، فقط الجريمة فيها -وهي المرض- من فعل الطبيعة، والجاني ليس مُجرمًا إنما قد يكون فيروسًا لا تراه العين المُجردة، والأطباء مُحققين لا يمتلكون بنادق آلية إنما زجاجات المختبر والأشعة والتحاليل المعملية.
مشهد من مسلسل «House MD»
يقول البروفيسور George Ikkos: «إن الدراما الطبية بقدر ما تقدم حدثًا خارجًا عن المعتاد، إلا إنها تقدم حبكة تحدث لنا جميعًا، حبكة تخلو من الانفجارات النووية وعمليات الجاسوسية، نحن جميعًا يمكن أن نختبر ألمًا مروعًا يدفعنا لغرفة الطوارئ في الفجر، وهذا ما يجعلها دراما البشر العاديين الذين تروعهم فكرة المرض، لكن تفتنهم فكرة مراقبتها خلسة وهي تحدث لآخرين على الشاشة».
على الجانب الآخر من الحبكة تقدم الدراما الطبية الأطباء أبطالًا خارقين، يمتلكون مزيجًا من مهارات المحقق والمعالج والمنقذ السحري، يقول المؤرخ الطبي Thomas Wright:
نحن نضع بأيدينا الأطباء على قواعد التماثيل ونتضرع لهم ليمنحونا الإجابات، ليتغلبوا على العقبة الكبرى أمام خلودنا ... الموت!
يقول الصحفي John Ortved: «إن الدراما لكي تنال الخلود لأطول وقت ممكن على الشاشة، لا بد أن تمتلك عنصرًا يُجاوز الحبكة، عنصرًا إنسانيًا عالميًا، يروض الملل، ويجذب المشاهدين دومًا لأنه عنصر مُتجذر في طبيعتهم البشرية».
تمتلك الدراما الطبية القدرة على تناول هشاشتنا كعنصر متجذر في طبيعتنا، عنصر يتجلى عندما نذهب للمشفى في أشد أيامنا سوءًا أو جمالًا على حد سواء.
دراما تدور دومًا على الحافة، توثق سقوطنا، وتوثق نجاتنا في اللحظة الأخيرة، ولذة تغلبنا على مخلوقات ميكروسكوبية أو خلايا قررت في لحظة أن تتكاثر بجنون سرطاني بداخلنا لتخلق بتمردها نهايتنا.
HOUSE MD
خلق مسلسل «HOUSE MD» مع بدء عرضه عام 2004 ثورة في جونرة الدراما الطبية، التي اعتمدت دومًا على الطبيب المثالي بمعطفه الأبيض الناصع الذي يُجيد الإمساك بيد مريضه لقياس نبضه ثم التربيت عليها بحنان لطمأنته في الآن نفسه.
يظهر جريجوري هاوس كطبيب رث الهيئة، بثياب لم يطالها أثر الكي المهندم وذقن نصف حليقة، ليبدو مظهره أكثر سوءًا من مرضاه.
يرفض هاوس باستماتة ارتداء معطف الطبيب، مثلما يرفض مقابلة مرضاه انطلاقًا من قاعدته أن المرضى دومًا يكذبون بشأن أعراضهم إما خوفًا من المرض أو خزيًا من انعكاس الأمراض على تقييمهم الأخلاقي كأشخاص، مثل مصابي الأمراض الجنسية وأمراض الشراهة والوسواس القهري.
يظهر هاوس في صورة ANTI HERO في جونرة قدست أبطالها لوقت طويل، دافعه ليس رسالة الإنقاذ المقدسة في قسم أبقراط، إنما الهوس بحل اللُغز الكامن في الجسد العليل على طاولة الفحص، لذلك تمت صياغته بالكامل كانعكاس طبي للمحقق شرلوك هولمز الشهير.
مشهد من مسلسل «House»
يمتلك اسم هاوس جناسًا مع اسم هولمز، ومثلما يمتلك هولمز مساعده الشهير واطسون يمتلك هاوس مُساعده ويلسون. بينما يُعاني هولمز في قصصه من هوسه الذي تُزكيه إدماناته المتعددة للتبغ والكوكاكين، يعتمد هاوس على إدمانه للمورفين في تسكين آلامه ومساعدته على حل ألغازه، وأخيرًا يسكن هاوس مثل شيرلوك في العنوان الشهير 221B Baker Street.
نجح مسلسل «HOUSE MD» على مدار ثمانية مواسم في خلق معادل طبي مثالي لقصص شرلوك هولمز، ببطل ثائر على قوانين الجونرة خاصته، وكل لغز يقوم بحله يرتد بتساؤلات أخلاقية شتى تُسائل شخصية البطل ذاته، يترك اللغز للمتلقين كذلك أسئلة حول الخيارات الاخلاقية في مواجهة الموت. والانفضاح بأسرارنا التي ترويها أجسادنا رُغمًا عنا على طاولة الفحص.
ER
في يناير 2018، قامت شبكة HULU بعرض المسلسل الطبي «ER» الذي دارت أحداث مواسمه الخمسة عشر بين أعوام 1994 حتى 2009.
تقول نائبة رئيس الشبكة Lisa Holme: «إن أحدًا بالشبكة لم يتحمس لعرض مسلسل عمره ربع قرن، بعدد حلقات 331 حلقة، لمشاهدين من أجيال لم تعاصره أبدًا».
ولكن مثل «FRIENDS» و«SIMPSONS» والمسلسلات الشهيرة التي أثبتت خلودها رغم أقدميتها واختلاف منابر عرضها، نجح «ER» باكتساح في اكتساب جماهير من أجيال زد، وحقق ساعات مشاهدة تجاوزت 19 ساعة للمتلقي الواحد.
يعد «ER» المسلسل الأسبق في تقديم القالب الذي سارت عليه المسلسلات الطبية حتى اليوم، حيث الاعتماد على مزيج من التشويق المتسارع الذي تتميز به غرفة الطوارئ، والقدرة على الاشتباك مع موضوعات كانت أكثر ثقلًا وإثارة للجدل في عقد التسعينيات منها الآن مثل مرض الإيدز والوصم النفسي المرتبط بالمرض الجسدي.
مشهد من مسلسل «ER»
وأخيرًا أسلوب الكاميرا الشهير في دراما المستشفى الذي يعتمد على الكاميرا الثابتة التي تتبع عجلات طاولة العمليات، ديناميكية بصرية انسيابية تناسب سرعة الحدث وتزيد توتره، تبدأ الحلقة دومًا بباب الطوارئ ينفتح بينما القدر قادم بقصة جديدة، بينما تحوم الكاميرا لتوثيق حركة الأطباء الدائرية اللاهثة حول بقعة واحدة، وهي جسد يجب إنقاذه في الحال.
تصف الناقدة بالنيويورك تايمز Margaret Lyons نقطة تفوق «ER»، أنها ليست فقط بأسبقيته في وضع القالب الحداثي للدراما الطبية الأمريكية أو بإيقاعه المتسارع، إنما باستثماره الكتابة التلفزيونية في تطوير مسارات أبطاله لتكتمل أقواس شخصياتهم على مدار المواسم. رغم تغيير الأبطال الرئيسيين والثانويين على مدار مواسمه الخمسة عشر.
مشهد من مسلسل «ER»
نجح «ER» من خلال التركيز على بناء شخصياته بشكل متقن في تقديم الانطلاقة المثالية لنجوم مثل George Clooney وJulianna Margulies لتقديم أدوار بطولية بعد أن نالوا شهادة ميلاد ضامنة لجودة أدائهم التمثيلي في المسلسل.
Grey's Anatomy
يعد «Grey's Anatomy» التحفة الأنجح في أعمال الكاتبة والمُنتجة الأمريكية Shonda Rhimes، الذي بدأ عام 2005 ولا يزال مستمرًا حتى الآن ليصل عدد مواسمه إلى عشرين موسم وأكثر من 400 حلقة.
تمتلك الأعمال التي تقوم Shonda Rhimes بكتابتها أو الإشراف على إنتاجها خصائص مُميزة، مثل الاعتماد على البطولة النسائية، التي توثق صورة البطلة الأمريكية القوية التي تكسر دومًا قوالب الأنوثة السلبية.
مشهد من مسلسل «How to Get Away with Murder»
وهو ما نشاهده في أعمال مثل «How to Get Away with Murder» الذي يعتمد على شخصية أناليس كيتنغ المحامية المثيرة للجدل التي تتراوح أفعالها بين الخير الجارف والشر المُطلق، لكن في كل أحوالها تمتلك قوة ورباطة جأش كاريزمية تطغى على كل من حولها.
وكذلك مسلسل «Scandal» الذي يعتمد على خبيرة العلاقات العامة أوليفيا بوب التي تنجح بمهاراتها في حماية كبار الشخصيات وصولًا إلى البيت الأبيض ذاته من الفضائح العامة.
تنتمي بطلة «Grey's Anatomy» الطبيبة ميريديث غراي لتيمة النساء القويات نفسها، التي تبدأ المسلسل كمُتدربة شابة تحاول إيجاد مسارها المهني خارج عباءة أمها الأسطورة الطبية إيليس غراي، التي تتسلط في حضورها بشخصيتها وفي غيابها بإنجازاتها على ابنتها.
مشهد من مسلسل «Grey's Anatomy»
يستعير «Grey's Anatomy» الدراما الطبية كقالب شيق لا أكثر لتقديم أبطاله، بينما يمنح ثقله كاملًا للعلاقات المتشابكة وقصص الحب المعقدة بين أبطاله، التي تنمو بشكل فريد وخاص في بيئة ضاغطة يواجه فيها الجميع كل يوم خيارات الحب والموت.
يُشتهر المسلسل على مدار مواسمه بانقلاباته الدرامية التي تنتهي فيها مسارات شخصياته بغتة لتفتح المجال لظهور شخصيات جديدة، ورغم تلك المخاطرات يظل المسلسل وفيًا لبطلته الأساسية ميريديث التي تمثل الخيط الناظم والثابت الوحيد أمام كل تغيير، فتبدو كل الشخصيات تفرعات عن رحلتها الإنسانية الأساسية من متدربة إلى أسطورة طبية أكثر إنسانية من والدتها.
يطرح «Grey's Anatomy من خلال شخصيته التقدمية ميريديث، الموضوعات الأكثر إثارة للجدل في المجتمع الأمريكي مثل التحول الجنسي وإشكالات الهوية والصراعات العرقية، التي تكون غرف العمليات الطبية مسرحًا ذكيًا لكشفها. بجانب ثيمات تبدو أنها قد نالت عدالتها عبر الزمن بينما تعاني انحيازات عميقة تردها دومًا للسطح مثل العنصرية والنسوية.
The Good Doctor
يعد «The Good Doctor» العمل الطبي الأكثر نجاحًا للكاتب الكندي ديفيد شور بعد عمله الأشهر «House MD».
يعد المسلسل اقتباسًا مباشرًا من مسلسل كوري يحمل الاسم ذاته، ولكن عبره يعود ديفيد شور لفكرته الأثيرة في كسر القالب الدرامي المرتبط بالطبيب الخارق شديد المثالية الذي يستعير لون روحه من معطفه الأبيض الناصع، وبينما كان جريجوري هاوس هو بطله المُصاغ على صورة شيرلوك هولمز، يأتي بطله الجراح شون ميرفي مُصاغًا على صورة نقطة تقع على طيف فريد من الأعراض وهو طيف التوحد.
مشهد من مسلسل «The Good Doctor»
بينما يعرف الإنسان ذاته بمرضه في اليوم الذي يدخل فيه المشفى، يعرف شون ميرفي عبر عيون الآخرين بمرضه كل يوم، يسلب صناع المسلسل البطل الطبيب من كل ما يميز البطل التلفزيوني مثل المهارات الاجتماعية، والشخصية القوية والقدرة على التعبير، ليقدموا بطلًا خاليًا من كل ذلك، يمتلك فقط موهبة فريدة في رؤية تفاصيل لا يراها سواه، وصدق فج وعجز كامل عن تحمل الضوضاء أو فهم التفاعلات الاجتماعية.
يصبح سؤال المسلسل الأساس مع كل حلقة وكل لغز طبي: هل يمكن أن يثق المشفى والأهم أن يثق المريض في أن يضع روحه بين يدي جراح بتلك المواصفات، بينما يُعمل الطبيب مبضعه البارد في جسده؟
يُجسد «The Good Doctor» دراما ذكية تعتمد على تبادل الأدوار، بين إنسان -بتعريف من حوله- مريض لكنه يلعب دور الطبيب، ومرضى يلعبون دور المقيم أو مصدر الأحكام بينما هم في أشد أحوالهم هشاشة.
مشهد من مسلسل «The Good Doctor»
يؤكد ديفيد شور المعاني التي ينحاز لها دومًا في الممارسة الطبية، وهي أن العبقرية لا تكفي وبينما تكتسب دراما «House Md» قوتها من عجز بطله عن إيجاد الحب نتيجة شخصيته الإدمانية التي تنفر من الاستقرار وتحمل المسئولية، يُجسد شون ميرفي الوجه الآخر للعملة، في شخصية تُجاوز حالتها وجيناتها وبرمجتها بالكلية لينمو ويُزهر إنسانيًا في بيئة تقدم الدعم الكافي لعبقريته وتداوي ببطء عجزه عن التواصل الإنساني.
رغم تعرض المسلسل لهجوم نقدي حاد في بداياته، فإنه اكتسب حضوره وأكد كونه مشروعًا واعدًا منذ الحلقة الأولى التي حققت مشاهدات مليونية، تجاوزت 7.9 مليون مشاهد عبر المسجلات الرقمية DVR.
Scrubs
يصعب عند تقديم مسلسل طبي يدور حول أطباء ومرضى يواجهون الموت كقوة عاتية لا بد من ترويضها، أو تقبل انتصارها أحيانًا، أن تحضر الكوميديا في تلك الأجواء، بين ممرات المشفى وجدرانه الباردة.
في عام 2001 ظهر مسلسل «Scrubs» في جونرة المسلسلات الطبية، متمردًا منذ البداية عليها بكونه يقدم نفسه في قالب SITCOM.
يدور المسلسل حول مجموعة أطباء متدربين في مستشفى Sacred Heart، يحاولون الترقي في مسيرتهم المهنية بينما يواجهون بالمشفى الحياة يوميًا في كلا وجهيها، الملهاة والمأساة.
مشهد من مسلسل «Scrubs»
عند مشاهدة حلقة واحدة من «Scrubs» تجده حاضرًا بكوميديا طازجة ونكات تناسب بيئة المشفى وهو ما يحقق شروط السيت كوم الناجح، ولكن تكتسح تلك الحبكة دون نشاز لحظات حزن تليق بشخوص يواجهون الموت يوميًا.
نجح صانع المسلسل Bill Lawrence في تقديم تلك الحبكة المتنوعة بين السخرية والحزن في حلقة قوامها 22 دقيقة لا أكثر.
عند إعادة عرضه على أجيال جديدة مثلما عُرض «Friends» على نتفليكس، تلقى «Scrubs» نصيبه من الانتقادات لكون كثير من نكاته تخضع حاليًا لمعايير الصوابية السياسية حول العنصرية أو رهاب المثلية، ولكن تمنحه النقطة ذاتها جاذبيته الخاصة في جعله أكثر حقيقية لمتدربي الطب الذين يشاهدونه حاليًا، لأنه يشبه الحياة نفسها التي تأتي بدعاباتها الفجة خالية من الرقابة أو المُحسنات الإبداعية.
وبينما تأتي الحياة كقوة عاصفة لا تخضع لقوانين أي جونرة، يتمثل «Scrubs» الفكرة ذاتها فتتجاور الكوميديا والتراجيديا والمآزق الأخلاقية في حلقة واحدة دون انفصال أو تكلف، وهو ما يجعله متميزًا في تلك القائمة الدرامية بقالبه الكوميدي الذي يحتوي المأساة ولا يستبعدها.
New Amsterdam
ما يُميز «New Amsterdam» منذ بدايته هو تقديمه لعالم الدراما الطبية في مستشفى أقل أناقة بكثير من المستشفيات الخاصة والثرية في عالم «Grey's Anatomy» و«The Good Doctor». مستشفى توصف أنها الأقدم في نيويورك.
يكتسب المسلسل ثقلًا أكثر واقعية في قدرته على عكس النظام الطبي الأمريكي كما هو عليه، وذلك لأنه مُستمد بالأساس من التجربة الواقعية للكاتب والطبيب Eric Manheimer التي وثقها في كتابه «Twelve Patients: Life and Death at Bellevue Hospital».
مشهد من مسلسل «New Amsterdam»
يتناول الكتاب قصصًا حقيقية وليست مصطنعة لمرضى أثرياء وفقراء، مهاجرين قانونيين وآخرين غير شرعيين، دبلوماسيين من الأمم المتحدة وسجناء خطرين من سجن ريكرز، وهذا يجعل الدراما التلفزيونية المُستمدة من الورق، جزءًا نابضًا من الحياة نفسها، تتمتع بالجاذبية الكافية وتصقل جوهرها بصدق ينتمي بالكامل للواقع على غرابته.
يعكس «New Amsterdam» تلك الواقعية بشكل أكبر في تقديمه تنويعًا عرقيًا كان مُفتقدًا في كثير من المسلسلات الطبية، تنويعًا غير مصطنع في ذاته أو مقحم إنما يعكس طبيعة المجتمع النيويوركي الراهن، أطباء من إثنيات مختلفة، وأبطالًا يعانون أطيافًا من المرض مثل اضطرابات الأكل والصمم.
وهو ما يجعله بحسب وصف الناقدة في الإندبندنت Sheila Flynn، أحد أذكى المسلسلات في الجونرة في تقديم تمثيل صادق لبطل يواجه مشكلات النظام الصحي ويتمرد عليها منذ الحلقة الأولى، لتكون مصاعب وبيروقراطية القطاع الطبي هي الحبكة الأساسية التي تتفرع منها العلاقات البين شخصية التي تحدث للأبطال وليس العكس.
Nurse Jackie
يمتلك «Nurse Jackie» فرادته منذ البداية بكون بطلته الرئيسية ليست طبيبة بالأساس إنما ممرضة، وهي الفئة الأقل حضورًا في الدراما الطبية في أدوار الصدارة إنما تحضر دومًا كأدوار مُساعدة.
تعمل Jackie Peyton مُمرضة في مستشفى All Saints بنيويورك، وبينما تمتلك جاكي طاقة تعاطف تناسب عملها كممرضة إلا أنها تمتلك جانبًا آخر شديد الظلمة، وهو إدمانها للمخدرات الذي يمثل العصب الأساس لشخصية تقدم نفسها في ثوب الشفاء بينما يتسبب مرضها في تآكلها من الداخل.
مشهد من مسلسل «Nurse Jackie»
قوة التعاطف لدى جاكي تجعلها ممرضة مثالية تكاد تحجز اسمها بين القديسين الذين سميت المستشفى على اسمهم، ولكنها في خطوطها الدرامية الأخرى يتمظهر عبر أفعالها الكتالوج النفسي الشهير للمدمنين مثل الكذب المرضي على المقربين كزوجها وأطفالها، والتأرجح بين الرغبة الصادقة في الشفاء والانتكاس، لتمثل جاكي معضلة أطباء مثل هاوس وشون ميرفي وغيرهم، قوى شفائية تقدم المساعدة للغير لكنها عالقة في مأساتها الشخصية ومرضها الخاص.
نجحت الممثلة EDIE FALCO -التي يتذكرها الجميع بدور البطولة في مسلسل «Sopranos» الشهير- في تقديم الشخصية بتناقضاتها بأداء تمثيلي مبهر حاز إعجاب النقاد رغم ضعف شعبية المسلسل على المستوى الجماهيري.
بحمولة خمسة جوائز primetime emmy ضمن أكثر من عشرين ترشيحًا، يعود مسلسل «Nurse Jackie» هذا العام بعد سبع سنوات من نهايته عام 2015، بأجزاء جديدة على شبكة أمازون